تواجه الشركات على اختلاف أحجامها وطبيعة نشاطها في كثير من الأحيان عددًا من التحديات والمشاكل القائمة أو المحتملة التي قد تكون عائقًا أمام تحقيق أهدافها خاصةً مع شدة المنافسة العالمية، لذا تلجأ إلى تطبيق استراتيجيات الاندماج والاستحواذ لخلق كيان اقتصادي جديد أكثر تقدمًا على المستوى الإداري والتقني والمالي، فما هو مفهوم هذه الاستراتيجيات وما أهمية الاندماج بين الشركات في السوق السعودي؟
الاندماج والاستحواذ استراتيجيتان تساعدان الشركات والمؤسسات على النمو السريع وزيادة الحجم وتوسيع النشاط، من خلال بيع أو شراء أو تقسيم الشركات المماثلة، أو الجمع بينها لزيادة قدرتها على المنافسة في السوق وتحقيق الأرباح وجذب المستثمرين.
قد يخلط البعض بين مصطلحي الاندماج والاستحواذ، وفيما يلي توضيح للفرق بينهما:
الاندماج هو اتحاد بين شركتين أو أكثر ينتج عنه كيان جديد، وقد يحدث هذا بين الشركات من ذات النوع أو من نوع آخر من حيث طبيعة نشاطها أو كيانها القانوني.
يحدث الاندماج من خلال حل الشركة ونقل أموالها إلى شركة أخرى، أو حل الشركتين وإنشاء شركة جديدة لها نفس حقوق والتزامات الشركتين اللتين تم حلهما.
قد يكون الاندماج بين شركتين أو مؤسستين لهما نفس النشاط وهو ما يسمى بالاندماج الأفقي، وقد يحدث بين شركتين لهما نشاطين يكملان بعضهما البعض وهو ما يسمى بالاندماج الرأسي، وربما يكون الاندماج المتنوع الذي يتم بين شركات لها أنشطة اقتصادية مختلفة، ولكل نوع أهدافه الخاصة به.
أما بالنسبة للاستحواذ فيُقصد به سيطرة إحدى الشركات على شركة أخرى أو أكثر من الناحية المالية والإدارية من خلال شراء الأسهم بنسب تسمح للشركة المستحوذة بالتحكم في مجلس إدارة الشركة أو الشركات التي تم الاستحواذ عليها.
بمعنى آخر، يحدث اندماج الشركات عندما تجمعُ شركتان منفصلان قواهما لإنشاء شركة مشتركة جديدة، بينما يشير الاستحواذ إلى الاستيلاء على كيان من قبَل كيان آخر.
ينقسم الاندماج إلى خمسة أقسام رئيسية هي: التكتل، والمتجانس، وامتداد السوق، والاندماج الأفقي والرأسي، وهو عملية طوعية تتم بين شركتين أو أكثر بشروط متساوية على نطاق واسع في كيان قانوني واحد جديد، ودائمًا ما تكون الشركات التي توافق على الاندماج متساوية تقريبًا من حيث الحجم والعملاء وطبيعة النشاط، بينما لا تتم عمليات الاستحواذ بشكل طوعي في الغالب.
ومن أبرز أمثلة عملية الاندماج بين الشركات على المستوى العالمي ما حدث بين شركتي نيسان ورينو، وما حدث في المملكة العربية السعودية بين بندة والعزيزيّة وكذلك اندماج شركات الكهرباء الإقليمية في شركة واحدة.
مع التغير السريع الذي يشهده النظام الاقتصادي العالمي المتمثل في مظاهر العولمة وفتح الأسواق وما إلى ذلك، أصبح التنافس شديدًا بين الشركات التي تواجه بدورها المزيد من التحديات، لذا كان الحل متمثلًا في تطبيق استراتيجيات الاندماج والاستحواذ والتي تحقق الكثير من الفوائد للشركات على النحو التالي:
هناك فوائد أخرى لعمليات الاندماج والاستحواذ بين الكيانات تتمثل في: تعزيز قاعدة العملاء، والتوسع في مناطق جغرافية جديدة، وتعزيز حقوق الملكية وتحسين القدرات التنافسية..الخ.
وبناءً على ذلك، فقبل أن تتخذ الشركة قرار الاندماج أو الاستحواذ، فإنه يتعين عليها تحديد الأهداف التي ترغب في تحقيقها من وراء ذلك، وتحديد القيمة المضافة والمميزات التي ستتمتع بها الشركة ومناقشة ذلك بشكل مدروس مع أعضاء مجلس الإدارة وصانعي القرار.
ينبغي أن تكون الاستراتيجية المتبعة في عملية الاندماج بين الشركات أو الاستحواذ واضحة ومدروسة بعناية مع الاستعداد الجيد والحصول على كافة البيانات والمعلومات الداعمة قبل البدء في هذه الخطوة، حيث تشير الأبحاث والدراسات العالمية إلى أن أكثر من 60% من عمليات الاندماج أو الاستحواذ لا تنجح بسبب غياب التخطيط الجيد لها.
يشير المتخصصون إلى مجموعة من العوامل التي ينبغي توفّرها لضمان نجاح عملية الاندماج بين الشركات، ويتمثل أهمها فيما يلي:
تشهد دول العالم تحولًا كبيرًا في الساحة الاقتصادية، وأصبحت ظاهرة اندماج الشركات ظاهرةً للعيان، بل إننا نلاحظ بين كل حين وآخر تغير أسماء الكثير من الشركات العالمية بعد دمجها مع شركات أخرى، وهذه الظاهرة تشمل كافة النشاطات الصناعية والتجارية والخدمية والمالية والاستشارية وما إلى ذلك.
هذا على المستوى العالمي، والذي بالتأكيد له أثره على المستوى المحلي، فقد نظم مجلس هيئة السوق المالية السعودية عمليات الاندماج والاستحواذ بإصداره قرارًا يتضمن لائحةً معتمدةً تواكب أفضل الممارسات الدولية المُتبعة في هذا المجال بما يتناسب مع طبيعة السوق السعودي، ويساهم في تحقيق رؤية المملكة 2030.
وقد أكد بعض الخبراء السعوديين في هذا المجال أن المملكة حققت نتائج إيجابية في مختلف القطاعات وأن المرحلة المقبلة ستشهد نموًّا كبيرًا في عدد عمليات الاندماج والاستحواذ خاصةً في القطاع العقاري والمصرفي وقطاع التجارة الإلكترونية.
وتتمثل أهمية الاندماج بين الشركات على مستوى السوق السعودي في القدرة على منافسة الشركات العالمية في السوق والحاجة إلى شركات كبيرة ومتخصصة في عدد من المجالات لتغطية احتياجات المشاريع العملاقة التي تطرحها المملكة.
ومع الموقع الجغرافي الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية بين القارات الثلاث وتبوئها مكانةً اقتصادية بين دول العشرين وامتلاكها للموارد الطبيعية فإنه يسهل عليها تطبيق استراتيجيات اندماج الشركات والبنوك وتحقيق أكبر معدلات التطور والنمو على مستوى القطاعات المختلفة.
وفيما يتعلق بقطاع البنوك في السعودية أيضًا، فقد كان الاندماج بينها بهدف مواكبة المستجدات والتطور الاقتصادي العالمي، وخلق كيانات مالية قوية قادرة على تمويل المشاريع الضخمة ومواجهة التقلبات الاقتصادية التي تغزو العالم.
تساهم عمليات اندماج الشركات والبنوك في تعظيم حجمها وقدرتها على المنافسة في ظل دخول الكثير من الشركات الأجنبية إلى السوق المحلية، وتطلعها إلى الاستثمار والعمل في سوق المملكة والدخول في عمليات الاندماج والاستحواذ مع الشركات السعودية.
تتمثل كذلك أهمية الاندماج بين الشركات في السوق السعودي في تحقيق المصالح المشتركة لكلا الطرفين من حيث المنافسة والسيطرة على السوق ومواجهة المنافسين الأكبر، وتحقيق التكامل الرأس أو الأفقي، وتخفيض التكاليف والمصروفات الإدارية والتشغيلية وتوحيد عمليات التشغيل التي تتضمن الإنتاج والتسويق والنقل والتوزيع وما إلى ذلك.
لا تنجح عملية الاندماج بين الشركات في الكثير من الحالات نتيجة عدم وجود إدارة قوية وواضحة وخطة مدروسة مسبقًا وآلية تنفيذ بشكل سليم، فضلًا عن توفر تناغم ثقافي بين الكيانات المشاركة في هذه العملية.
جدير بالذكر أن نجاح اندماج الشركات يعني صمودها أمام التحديات الاقتصادية وتقلبات السوق وبقائها قوية في الذاكرة، وهذا يتطلب أن يكون لدى الشركات المندمجة ثقافات مشتركة وتواصل فعال واستراتيجيات واضحة وآليات تنفيذ فعالة.
وبرغم عمليات الاندماج بين الكيانات إلا أنه يتعين على كل كيان تقديم قيمة مثالية وعالية لعملائه مع الاحتفاظ بهويته وعلامته التجارية الخاصة، وكمثال على ذلك فإننا نجد أن شركة "Reebok" كان لها تواجدها القوي مع جمهورها المستهدف من الشباب، بينما اهتمت شركة "Adidas" بحضورها الدولي وتكنولوجيتها المتطورة، ومع اختلاف هوية كل منهما إلا أن اندماجهما حقق قيمةً فريدة وقادرةً على المنافسة بقوة في السوق.
من الضروري أيضًا أن تفهم الكيانات التي في طريقها إلى الاندماج اتجاهات السوق وتكون قادرةً على تلبية احتياجاته، فالاندماجُ الناجح هو الذي يزيد من قيمة الشركة المندمجة ويعزز من من مركزها في السوق.
يتطلب نجاح اندماج الشركات الاحتفاظ بالكفاءات بعد عملية الاندماج، ينبغي في هذه المرحلة أن يكون الانتقال سلسًا والتنفيذ فعالًا وأن يتم الاحتفاظ بالأشخاص المناسبين لكل شركة بحكمة.
تحتاج الشركات إذن قبل البدء في عمليات الاندماج والاستحواذ أن تقتنع بأهمية عملية الاندماج لجميع الكيانات المشاركة والرغبة الحقيقية في إتمامها بنجاح وتحقيق المكاسب لكلا الطرفين، وتخطط جيدًا وتختار بعناية التوقيت المناسب للإجراءِ وتحدد بوضوح أهدافها واتفاقياتها والمعوقات المتوقعة والحلول المناسبة لها، وتحدد فريق العمل المناسب وتجمع كافة البيانات والمعلومات المطلوبة من الأطراف المشاركة، شرط أن تتسم بالدقة والوضوح والشفافية، إضافةً إلى تحديد التواريخ المحددة لإنجاز كل مرحلة من مراحل الدمج، وتحديد الآلية التي يمكن تنفيذها في حال الاختلافات.
وفيما يتعلق بفريق العمل الذي ينبغي اختياره لتنفيذ عملية الاندماج بين الشركات، فينبغي أن يكون ذو خبرة وكفاءة عالية وقدرة على حسن التصرف والإدارة واتخاذ القرارات، كما ينبغي أن يتضمن الفريق مستشارين ماليين وقانونيين ومحاسبين يضمنون جميعًا سير العملية بشكل قانوني ومالي سليم، إضافة إلى جهات مستقلة تقوم بمهام الفحص والتقييم بعد عملية الدمج.
من المفيد أن يكون موظفو الشركات التي ترغب في الاندماج طرفًا في هذه العملية من حيث إعلامهم بالقرارات المتخذة في الوقت المناسب، وطمأنتهم إلى أن حقوقهم محفوظة ولن يتم المساس بها.
خطوة هامة في نجاح عمليات الاندماج والاستحواذ، وهي اختيار شركة قانونية ذات خبرة وكفاءة عالية تساهم في نجاح اندماج الشركات عبر ما تقدمه من خدمات ذات صلة يتمثل أهمها فيما يلي:
هذه الخدمات وغيرها تقدمها الشركات القانونية المتمكِّنة في مجالها، وهي تهدف من خلال ذلك إلى تحقيق النمو والتطور والقيمة الفريدة للكيانات الاقتصادية.