تعمل المملكة العربية السعودية بجهد كبير لتكون هو الوجهة الأكبر والأكثر إستقطاباً وإجتذاباً للإستثمارات الكبرى وبالأخص بالنسبة للشركات الكبرى العالمية التي تريد أن يكون لها فروع داخل الشرق الأوسط، ويأتي هذا الجهد الكبير لتنافس المملكة في أن تكون مدينة الرياض هي المقر الإقليمي لتلك الشركات العالمية أمام إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والجدير بالذكر أن إمارة دبى ظلت لسنوات عديدة دون منافس لها من حيث إستقطاب الإستثمارات الأجنبية وبالأخص الشركات الأجنبية العالمية التي تريد إنشاء مركز إقليمي لها في منطقة الشرق الأوسط، كما ظلت إمارة دبي المركز المالي الأقوى في المنطقة إلى أن إستطاعت مدينة الرياض خلال السنتين الماضيتين أن تتصدر وبجدارة لمنافسة إمارة دبى، منافسة قوية ومبنية على أسس ومقومات إقتصادية من خلال إصلاحات تشريعية متطورة وتحديثات لبنية تحتية متقدمة، نتج عنها إلتفات أنظار تلك الشركات العالمية من الإستفادة بوجود مقر لها في المملكة العربية السعودية يتواجد في الرياض.
ولعل من أكثر الأسئلة التي تثار على الساحة بخصوص هذا التنافس بين الدولتين، ما الذي يمكن للسعودية أن تقدمه للشركات العالمية حتى تنهي الإحتيار بينها وبين الإمارات؟
فكما ذكرنا قامت المملكة العربية السعودية خلال السنتين الماضيتين بوضع العديد من الخطط التي تمكنها أو بمعنى أوضح تهدف إلى أن تصبح عاصمتها الرياض هي المدينة الأهم في المنطقة العربية سواء من الناحية الإقتصادية والتجارية والمالية بصورة أكبر مما عليه إمارة دبى الأن، حيث أن المملكة العربية السعودية لم ترضى بأن يكون تصنيفها العالمي الإقتصادي خلال السنوات الماضية في مرتبة متأخرة، ولهذا عملت المملكة على طريقتين أحدهما تسمى بالطريقة الخشنة وهى التي يتم من خلالها إستغلال الثقل المالي والإقتصادي للمملكة، والطريقة الأخرى وهى الطريق الناعمة والتي من خلالها يتم تقديم ومنح كافة الإمتيازات والتسهيلات التي تحتاجها الشركات الاجنبية والعالمية ليكون لها مقر إقليمي في الرياض، هذا ومن جانب أخر أكدت الحكومة السعودية على أن الشركات الأجنبية لن تتمكن من الحصول على عقود وتعاقدات حكومية في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2024م ، إلا في حال كان لها مكتب إقليمي في المنطقة مقره الرياض بالسعودية، حيث أتى هذا القرار متماشياً مع العديد من المبادرات الإصلاحية سواء الإقتصادية أو الإجتماعية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في إطار رؤيتها لعام 2030م، بحيث تكون أكبر وأكثر الوجهات الجاذبة للإستثمار، وتكون من أعلى الدول مركزاً على الجانب الإقتصادي، كما أن هذا القرار يأتي أيضاً بنتائج إيجابية أخرى كتوافر العديد من فرص العمل للسعوديين من خلال تلك المقرات التي تتخذها الشركات العالمية في الرياض، مما يؤدى إلى تنوع الدخل للمملكة، وعدم الإعتماد فقط على مصادره النفطية كمحرك إقتصادي.
كما أن مكانة المملكة الإقليمية والعالمية، وعضويتها في مجموعة العشرين، وضخامة الإقتصاد السعودي وفرصه الإستثمارية العملاقة، والقوة الشرائية التي يتمتع بها، التي تمثل ما بين 40% إلى 80% من إيرادات الشركات الأجنبية من أسواق المنطقة، هي من العوامل التي تدعم تواجد المقرات الإقليمية للشركات العالمية وإداراتها التنفيذية بالقرب من شركائهم في المملكة.
وتعزيزاً من المملكة لكل ما سبق، صرحت وزارة الإستثمار السعودية أنها وبالشراكة مع جميع الجهات الحكومية في المملكة، سيعملان على تقديم كافة التسهيلات والمزايا والحوافز التي تعمل على دعم الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب والمحليين بشكل عام.
ولا ننسى أن ننوه عن مركز الملك عبد الله المالي في الرياض والذي يتم العمل على تحويله لمنطقة إقتصادية خاصة، مستثناة من تأشيرات الدخول، حيث يعد هذا المركز المبنى على قرابة 1.6 مليون متر مربع والشامل لـ 59 ناطحة سحاب، موفراً لقرابة مليون متر مكعب من المساحات المكتبية، مما يؤدى بدوره لإجتذاب العديد من الشركات العالمية ليتواجد لها المقر الإقليمي المناسب في المنطقة.
وأيضاً وضع المملكة لخطط إنشاء العديد من المناطق الإقتصادية في الرياض، ومن أهمها المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة والتي تعد أول منطقة حرة بالمملكة وتقع ضمن أراضي مطار الملك خالد الدولي بالرياض، والتي تتمتع أيضاً بالعديد من الخدمات مع توافر البنية التحتية المتقدمة.
ولعل في مستهل الحديث، أن تجدر الإشارة إلى ما تقدمه المملكة العربية السعودية من خدمات ترخيص المقرات الإقليمية من خلال الموقع الإلكتروني لبوابة الخدمات الإلكترونية، والتي تتيح للشركات الأجنبية متعددة الجنسيات والراغبة في إتخاذ المملكة كمقر إقليمي لها بتأسيس كيان بموجب أنظمة المملكة العربية السعودية، وذلك وفق المنصوص عليه في دليل خدمات المستثمرين، الإصدار التاسع بتاريخ 2022م، وذلك على النحو التالي:
يعد من المستندات اللازمة لترخيص المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية في المملكة العربية السعودية ما يلي:-
وضع دليل خدمات المستثمرين بعض الإشتراطات والقيود الواجب توافرها حتى يتسنى تقديم خدمة ترخيص المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية في المملكة العربية السعودية وهي كالآتي:-
يجب أن يبدأ المقر الإقليمي في تنفيذ الأنشطة الإلزامية خلال ستة أشهر من تاريخ منح الترخيص، وتتمثل هذه الأنشطة في تقديم التوجيه الإستراتيجي والمهام الإدارية، بحيث تشمل محام التوجيه الإستراتيجي الخاصة بالمقر الإقليمي وضع الإستراتيجية الإقليمية ومراقبتها، والتنسيق لتحقيق التوافق الإستراتيجي، وتضمين المنتجات والخدمات بالمنطقة، ودعم عمليات الإندماج والإستحواذ وسحب الإستثمارات، وإستعراض الأداء المالي، وتشمل المهام الإدارية للمقر الإقليمي وضع خطط الأعمال التجارية، ووضع الميزانية، وتنسيق الأعمال التجارية، وتحديد الفرص الجديدة في السوق، ومراقبة السوق الإقليمي والمنافسين والعمليات، ووضع خطة تسويق بالمنطقة، وتقديم التقارير التشغيلية والمالية.
- يجب أن يبدأ المقر الإقليمي في تنفيذ ثلاثة أنشطة إختيارية على الأقل خلال سنة من تاريخ منح الترخيص، وتشمل تلك الأنشطة الإختيارية دعم المبيعات والتسويق، وإدارة الموارد البشرية والموظفين، وتقديم خدمات التدريب، وتقديم خدمات الإدارة المالية وصرف العملات الأجنبية وخدمات مركز الخزينة، ومراقبة الإمتثال وإجراء المراقبة الداخلية، وتقديم خدمات المحاسبة، وتقديم الخدمات القانونية وتقديم خدمات التدقيق، وتقديم خدمات البحث والتحليل، وتقديم الخدمات الإستشارية، ومراقبة العمليات، وتقديم الخدمات اللوجستية وإدارة سلاسل الإمداد، وتقديم خدمات التجارة الدولية، وتقديم خدمات الدعم الفني أو المساعدة الهندسية، وإجراء العمليات المتعلقة بشبكات أنظمة تكنولوجيا المعلومات، وتقديم خدمات البحث والتطوير، وإدارة حقوق الملكية الفكرية، وإدارة الإنتاج، والإستعانة بمصادر توريد المواد الخام وقطع الغيار.
يجب أن يتمتع موظفو المقر الإقليمي المعنيين بالأنشطة الإلزامية بالمهارات والمعرفة ذات الصلة المكتسبة في المقر الرئيسي أو مقر إقليمي آخر للشركة الأم، على أن يكون ثلاثة موظفين منهم على الأقل على مستوى مدير تنفيذي ومستوى نائب رئيس.
الإلتزام بتوظيف ما لا يقل عن خمسة عشر موظف بدوام كامل في تنفيذ أنشطة المقر الإقليمي خلال سنة من تاريخ منح الترخيص.
ثالثاً: ما هو المقابل المالي لخدمة ترخيص المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية في السعودية؟
يكون المقابل المالي وفق دليل خدمات المستثمرين الصادر عن وزارة الإستثمار، لإصدار ترخيص المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية في السعودية ألفان ريال سعودي عن كل سنة، كما يكون المقابل المالي عشرة آلاف ريال سعودي لإشتراك السنة الأولى للحصول على الخدمات من مراكز علاقات المستثمرين بوزارة الإستثمار، ويكون الاشتراك للحصول على الخدمات من مراكز علاقات المستثمرين بوزارة الإستثمار للسنوات اللاحقة للسنة الأولى دون مقابل مالي.
وتجدر الإشارة إلى أن المنشأة تلتزم بدفع المقابل المالي عن كامل فترة الترخيص، وذلك وفق ما تحدده الوزارة عند إعتماد آليات التصنيف خلال مهلة ستين يوماً من تاريخ إشعارها بالتصنيف والمقابل المالي المستحق عليها وفى حال عدم السداد خلال المهلة المحددة، يعد الترخيص منتهي.
أفاد دليل خدمات المستثمرين الصادر عن وزارة الاستثمار السعودية، أنه يحق لتك الوزارة أن تلغى ترخيص المقر الإقليمي حال توافر أي من الحالات التالية:-
يعد من أهم المزايا والحوافز التي تمنح لتتسارع الشركات العالمية بسببها في الحصول على ترخيص المقر الإقليمي في السعودية وبالأخص عاصمتها الرياض، الحصول على إعفاء ضريبي طويل الأمد للشركات الكبرى، بحيث تكون نسبة الضرائب المطالبة بها تلك الشركات 0% لمدة 50 سنة، هذا بجانب منح المعاملة التفضيلية من حيث الحصول على التعاقدات مع الجهات الحكومية في السعودية، وكذلك تسهيل منح التأشيرات والكفالة للموظفين الأجانب العاملين في تلك الشركات الكبرى ولعائلتهم أيضاً.
يعد من أهم المزايا والحوافز التي تمنح لتتسارع الشركات العالمية بسببها في الحصول على ترخيص المقر الإقليمي في السعودية وبالأخص عاصمتها الرياض، الحصول على إعفاء ضريبي طويل الأمد للشركات الكبرى، بحيث تكون نسبة الضرائب المطالبة بها تلك الشركات 0% لمدة 50 سنة، هذا بجانب منح المعاملة التفضيلية من حيث الحصول على التعاقدات مع الجهات الحكومية في السعودية، وكذلك تسهيل منح التأشيرات والكفالة للموظفين الأجانب العاملين في تلك الشركات الكبرى ولعائلتهم أيضاً.
وحسب إستطلاع رويترز، قالت شركة التشييد الأميركية (بكتل) إنها إتخذت من الرياض مقرها الإقليمي ليغطي الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بينما أعلنت شركة التكنولوجيا الأميركية (سي إس جي) أنها ستنقل مكتبها الإقليمي من دبي إلى الرياض، لكنها لن تغلق مكتب دبي.
وأفادت شركة (روبرت بوش) الألمانية لقطع غيار السيارات، بأنها وقعت مذكرة تفاهم لبحث أعمال محتملة في السعودية، حيث قالت متحدثة إن للشركة مكتباً في المملكة ووجوداً في أماكن أخرى بالمنطقة من بينها الإمارات، بينما لفتت شركة (أويو) الهندية الناشئة للفنادق إلى أنها ستقيم مقرها الإقليمي في مركز الملك عبد الله المالي، وهو منطقة اقتصادية خاصة بالرياض، مؤكدة أنها سترسل عدداً من المديرين التنفيذيين إلى هناك.
ووفق استطلاع رويترز، ذكرت شركة الاستثمار (فرانكلين تمبلتون) أنها ستراقب القواعد التنظيمية لتقييم النهج الذي ستتبعه، لكنها تظل ملتزمة بالأعمال في الشرق الأوسط، فيما قالت متحدثة بإسم شركة (ديلويت) في السعودية، إن الشركة تعمل منذ عام 1950، مستطردة: (يشرفنا أن نكون شريكاً استراتيجياً للمدينة في رحلتها لتحقيق طموحها بموجب رؤية 2030).
كما لفتت شركة (بي دبليو سي) إلى بيان من مديرها في السعودية، الذي قال إن الشركة تدعم التحول الذي تستهدفه المملكة من مقر الشركة الإستشاري الإقليمي في الرياض، فيما أبان رئيس (بوينغ) السعودية، لدينا أكثر من 2200 موظف في كيانات وشركات مشتركة عدة في المملكة، مستطرداً: (بوينغ السعودية) شركة سعودية قيادتها سعودية وأغلبية قاعدة موظفيها من السعوديين... نحن ملتزمون بنجاح (رؤية 2030).
إلى ذلك، قالت شركة الطاقة الأميركية إن )شيفرون( السعودية لديها خطط لتأسيس مقر جديد في مدينة الخفجي بشرق المملكة، وأضافت أنها تتطلع لمواصلة شراكتها القائمة على المنفعة المتبادلة مع السعودية، بينما صرح مصدر مطلع بأن شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة (غوغل) تبحث إقامة مكتب في السعودية لتوسيع خدماتها السحابية.
في جانب آخر، أوضح بنك (ستاندرد تشارترد) أنه يعمل في السعودية منذ عام 2010 عبر عملياته في أسواق رأس المال، كما حصل على رخصة مصرفية كاملة في 2019، مضيفاً أن مديره التنفيذي لشؤون الشرق الأوسط، مقره في الرياض، مضيفاً: يمكننا الحصول على المزيد من الفرص المثيرة للاهتمام في السعودية.
من ناحيتها، ذكرت متحدثة بإسم شركة تصنيع السيارات الأميركية (فورد)، أنها أسست مكتباً لها في الرياض قبل عقد، ولها شريكان للتوزيع هناك منذ فترة طويلة، مضيفة: سنواصل متابعة الإعلانات التي تنشرها الحكومة السعودية، ليكون لدينا فهم أفضل للقواعد الجديدة.
أما بالنسبة للشركات الحاصلة على ترخيص مقر إقليمي بالفعل، شركة بيبسكو، وشركة ديلويت، وشركة سامسونج، وشركة سيمنس، وشركة دايمنشن داتا، والعديد والعديد، وبهذا نجد أن قرار حصر تعاقد الجهات الحكومية مع الشركات العالمية التي لها مقراتٌ إقليميةٌ في المملكة، سيرتقي بالبيئة الإستثمارية، ويُسهم في تنمية وتوسيع أعمال الشركات العالمية، كما سيساعد على توطين الخبرات والمعرفة وتنمية المحتوى المحلي، وستتحول مدينة الرياض لأكبر مركز إقتصادي مالي تجاري في المنطقة العربية من خلال إستقطاب أكثر من 480 شركة عالمية ليكون لها مقر إقليمي في الرياض خلال عشر سنوات إنتصارا على نظيرتها دبي التي يتواجد بها 140 مكتب إقليمي فقط.