تعمل المملكة العربية السعودية على مواكبة التطورات والتغيرات المتسارعة التي تلحق بجميع المجالات والقطاعات في المملكة، بما في ذلك العمل على تعزيز إزدهار القطاع الإقتصادي بشكل مستدام، حيث تقوم على تطوير وتعميق مؤسسات القطاع المالي، وتطوير السوق المالية السعودية لتكون سوق مالية متقدمة، ويُعد من أكثر مؤسسات القطاع الإقتصادي التي يتم دعمها وتحظى بإستمرار دائم هو مجال الشركات التي تؤسس في السعودية، فالشركات التجارية تعد أهم الكيانات الإقتصادية المربحة والمساهمة في الدخل القومي للمملكة، والشركات التجارية أيضاً في المملكة العربية السعودية بمجرد أن يتم تأسيسها وتسجليها لدى السجل التجاري تُمنح ما يسمى بالشخصية الإعتبارية، بحيث يكون لها شخصية مستقلة وذمة مالية مستقلة عن باقي الشركاء أو المساهمين فيها، وطوال مدة قيام الشركات فإنها تتعرض لمواقف كثيرة تكون مربحة لها، ومن ناحية أخرى قد تتعرض لما قد يهدد ببقائها وإستمرار إشتغالها في السوق السعودي، وتعد بهذه الحالة شركة متعثرة، وعلى هذا الأمر عمل المنظم السعودي وصولاً لوضع بعض الأحكام والإجراءات والضوابط التي تكون بمثابة طوق النجاة لتلك الشركات المتعثرة، ومن أهم تلك الإجراءات التي يمكن أن تنجي الشركات المتعثرة أو حتى الشركات الراغبة في خلق كيانات كبيرة تستطيع المنافسة سواء على المستوى المحلى أو الدولي هو إجراء عمليات الإستحواذ على الشركات، ومما لا شك فيه أن عروض الإستحواذ على أسهم الشركات المدرجة في السوق المالية تؤدي إلى تنشيط سوق الأوراق المالية، كما تساعد أيضاً بعض الشركات المتعثرة على إعادة هيكلتها والإستفادة من خبرات ودعم الشركة المستحوذة، ومن هذا المنطلق سوف يكون التركيز في هذا المقال عن عمليات الإستحواذ التي تتم على الشركات وبالأخص ستكون عن عرض الإستحواذ الإلزامي على الشركات في المملكة العربية السعودية في ظل لائحة الإندماج والإستحواذ الصادرة عن هيئة السوق المالية السعودية.
يمكن تعريف عملية الإستحواذ في المملكة العربية السعودية أولاً بشكل عام بأنها عبارة عن تصرف قانوني يأتي نتيجة سيطرة، وتلك السيطرة تتحقق بإحدى الصورتين، أما من خلال شراء عدد من الأسهم، أو من خلال إتفاق لتكوين أغلبية تحكم الشركة، فالمستحوذ هنا يعرف بأنه أي شخص قادر على السيطرة سواء بشكل مباشر كتجاوز ملكيته نسبة محددة، أو بشكل غير مباشر كالإستحواذ على شركة تمتلك حصة أكثر من النصف من رأس المال أو حقوق التصويت في شركات أخرى مدرجة في السوق المالية على جزء من رأس مال الشركة في السعودية، بحيث يمنح السيطرة على الأغلبية التصويتية في الشركة، أو يسيطر هو بمفرده على أغلبية حقوق التصويت في الشركة.
أما بالنسبة لعملية عرض الإستحواذ الإلزامي على الشركات في السعودية، فإنها وفق المادة الثالثة والعشرون من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية عبارة عن عملية تتم عند قيام أي شخص أو مجموعة من الأشخاص يتصرفون بالإتفاق معه بزيادة ملكيته في أسهم شركة من الشركات، عن طريق شراء مقيد لأسهم، أو عرض مقيد لأسهم، إلى حد تبلغ فيه ملكيته سواء كان منفرداً أو مجتمع مع الأشخاص الذين يتصرفون باتفاق معه نسبة 50% أو أكثر من فئة معينة من الأسهم المتمتعة بحقوق التصويت والمدرجة في السوق المالية السعودية، كما أنه في هذه الحالة يكون لمجلس هيئة السوق المالية السعودية ممارسة سلطته التقديرية، بإلزام ذلك الشخص أو الأشخاص السابق ذكرهم بتقديم عرض لشراء الأسهم التي لا يملكها من الفئة نفسها، وهذا الإلتزام لا يشمل تقديم عرض فيما يخص أسهم خزينة الشركة المعروض عليها.
يجب في بداية الأمر التنويه على أنه لا يجوز وفق الفقرة الثانية من المادة الثالثة والعشرون من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية الإستحواذ على أسهم على نحو قد يترتب عليه نشوء إلتزام بتقديم عرض إلزامي، إذا كان تقديم هذا العرض أو تنفيذه يعتمد على إصدار قرار من الجمعية العامة للمساهمين في العارض، أو على أي شرط أو موافقة أو ترتيب آخر بما في ذلك الموافقات النظامية ذات الصلة.
ويعد من أهم شروط عرض الإستحواذ الإلزامي في السعودية، أن يكون العرض المقدم بموجب المادة الثالثة والعشرون من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية بشأن كل فئة من أسهم الشركة المعروض عليها، نقداً أو أن يكون مصحوباً ببديل نقدي لا يقل عن أعلى سعر دفعه العارض أو أي شخص يتصرف بالإتفاق معه مقابل أسهم من الفئة نفسها خلال فترة العرض وخلال الاثني عشر شهراً السابقة لبداية فترة العرض، كما يجب مخاطبة هيئة السوق المالية السعودية في الحالات التي تنطوي على وجود أكثر من فئة واحدة من أسهم رأس المال.
وإذا رأى العارض عدم مناسبة تطبيق السعر الأعلى في حالة محددة، فيجب عليه التقدم إلى هيئة السوق المالية لإتخاذ ما تراه مناسباً بشأن السعر المعدل، ولا يجوز بأي حال من الأحوال إلزام العارض بتقديم عرض لشراء الأسهم المتبقية بسعر يزيد على أعلى سعر دفعه العارض أو أي شخص يتصرف بالإتفاق معه لشراء أو السيطرة على أي من أسهم الشركة المعنية خلال الاثني عشر شهراً السابقة لتاريخ الإلزام الصادر من مجلس هيئة السوق المالية.
ويجب الإلتزام بتقديم العرض الإلزامي إلى مجلس إدارة الشركة المعروض عليها أو مستشاريها قبل أو بحد أقصى وقت تقديمه لمساهمي الشركة المعروض عليها، وذلك وفق المادة السادسة عشرة من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية، ويجب أيضاً أن يتم يوضح العرض أو التفاوض بشكل أولي بشأنه هوية المساهمين الكبار لدى العارض أو العارض المحتمل وأي أشخاص آخرين يتصرفون بالإتفاق معهم، وفى حال لم يكن العرض بشكل أولى في شأنه مقدم من قبل العارض أو العارض المحتمل، فإنه يجب الإفصاح عن هوية ذلك العارض أو العارض المحتمل لمجلس إدارة الشركة المعروض عليها في بداية تقديم العرض أو التفاوض بشكل أولي في شأنه.
ويكون العارض ملزماً بالإعلان الفوري للجمهور وفق للفقرة الثانية من المادة السابعة عشر من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية في حالة الإستحواذ على أسهم شركة مدرجة في السوق وترتب على ذلك الإستحواذ إلتزام العارض بتقديم عرض إستحواذ إلزامي ولا يجوز تأخير الإعلان وإن لم تتوافر جميع المعلومات ذات العلاقة، على أن تضمن في إعلان لاحق.
وتقع مسؤولية إصدار الإعلان على عاتق العارض قبل بدء المفاوضات الأولية مع مجلس إدارة الشركة المعروض عليها، ويجب على العارض في هذه الحالة مراقبة أي مؤشرات على وجود تغير غير معتاد في سعر أسهم الشركة المعروض عليها أو عند تعرض المعروض عليها للشائعات والتوقعات، ويكون العارض مسؤولاً أيضاً عن الإعلان بمجرد نشوء الإلتزام بعرض الإستحواذ الإلزامي.
وبعد بدء المفاوضات الأولية مع مجلس إدارة الشركة المعروض عليها سواء أدى ذلك أو لم يؤدي إلى تقديم عرض فإن المسؤولية الرئيسية عن القيام بالإعلان تقع على عاتق مجلس إدارة الشركة المعروض عليها الذي يجب عليه في هذه الحالة مراقبة أي مؤشرات على وجود تغيير غير معتاد في سعر أسهم الشركة المعروض عليها أو عند تعرض الشركة المعروض عليها للشائعات والتوقعات.
وفي حال وجود توصية بقبول العرض وتقديم طلب إلى هيئة السوق المالية لتعليق التداول بشكل مؤقت، وموافقة الهيئة على ذلك الطلب، يجوز للشركة المعروض عليها الإستعاضة عن الإعلان الفوري بالحصول على الموافقة على التعليق المؤقت للتداول، وقيامها بالإعلان بعد ذلك مباشرة.
ويتعين على العارض أيضاً أن يقوم بمخاطبة هيئة السوق المالية لغرض تقديم الجدول الزمنى المقترح للعرض خلال ثلاثة أيام تلي اليوم الذي تم فيه الإعلان، ويجب على جميع الأطراف ذات العلاقة بالعرض الإلتزام بالجدول الزمني المحدد، ويجب إبلاغ الهيئة فوراً في حال توافر قناعة لدى العارض أو الشركة المعروض عليها بعدم تمكن أي منهما من الإلتزام بالجدول الزمني المحدد، ويجوز للهيئة تعديل المدد الواردة في الجدول الزمني.
كما أنه أيضاً يجب عدم الإعلان عن النية المؤكدة لتقديم العرض إلا عند توافر أسباب كافية لدى العارض للإعتقاد بأنه قادر وسيظل قادر على تنفيذ العرض، وتقع مسؤولية تقديم المشورة إلى العارض بهذا الخصوص على المستشار المالي للعارض، وذلك وفق الفقرة الثالثة والخامسة من المادة السابعة عشرة من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يحق للعارض وأي شخص يتصرف بالإتفاق معه خلال فترة العرض بيع أي ورقة مالية في الشركة المعروض عليها دون الحصول على موافقة هيئة السوق المالية السعودية، كما إنه في جميع الأحوال لا يجوز البيع بقيمة تقل عن قيمة العرض، هذا بجانب إلتزام العارض أيضاً وأي شخص يتصرف بالإتفاق معه خلال فترة العرض، بعدم التعامل في أي ورقة مالية للعارض حال كان شركة مساهمة مدرجة في حالة وجود معلومات تتعلق بالعرض تعد بالنسبة إلى العارض معلومات مؤثرة في سعر ورقته المالية، وكل ذلك وفق الفقرة الثانية من المادة التاسعة عشرة من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية.
وطبقاً للفقرة الرابعة من المادة الثالثة والعشرون من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية لا يجوز تعيين أي شخص يمثل مصلحة العارض أو أي شخص يتصرف بالإتفاق معه بشكل رسمي في مجلس إدارة الشركة المعروض عليها من تاريخ إعلان العارض نيته المؤكدة لتقديم العرض، وكذلك لا يجوز للعارض أو أي شخص يتصرف بالإتفاق معه ممارسة حقوق التصويت على البنود ذات العلاقة بالعرض في الجمعية العامة للشركة المعروض عليها حتى يتم نشر مستند العرض.
كما أنه أيضاً وفق الفقرة الخامسة من المادة الثالثة والعشرون من لائحة الإندماج والإستحواذ في السعودية، يجب على العارض عند تقديم عرض الإستحواذ الإلزامي تقديم تقرير إلى هيئة السوق المالية السعودية يتضمن جميع تفاصيل صفقات الشراء الخاصة بأسهم الشركة المعروض عليها خلال الاثني عشر شهرا السابقة في مدة لا تتجاوز نهاية يوم التداول الذي يعلن فيه العرض الإلزامي.
ولعل من المفيد أيضاً أن ننوه على أنه يجب على جميع الأطراف في الإستحواذ الإلزامي في السعودية بذل العناية بحيث لا تكون البيانات معدة على نحو قد يؤدى إلى تضليل المساهمين أو السوق، هذا بجانب وجوب معاملة العارض جميع مساهمي الشركة المعروض عليها من ذات الفئة بالتساوي، كما لا يجوز للعارض أو للشركة المعروض عليها أو أي من مستشاريهما خلال فترة العرض أو أثناء دراسته تقديم معلومات إلى بعض المساهمين دون إتاحتها لجميع المساهمين الآخرين، إلا في حال تقديم المعلومات بشكل سري من قبل الشركة المعروض عليها إلى عارض محتمل حسن النية أو العكس في سياق العرض، وكذلك يجب على العارض ومجلس إدارة الشركة المعروض عليها تزويد مساهمي الشركة المعروض عليها بالمعلومات والتوصيات الكافية، لتمكينهم من التوصل إلى قرار سليم بشأن قبول أو رفض العرض، ومجلس إدارة الشركة المعروض عليها يجب عليه التصرف دائماً وفقاً لمصلحة المساهمين، ويجب أيضاً عدم تأثر أعمال الشركة المعروض عليه أكثر من المدة المعقولة نتيجة للإستحواذ الإلزامي في السعودية.