يعدُّ التحكيم إحدى الطرق التي يتم من خلالها فض المنازعات بين الأطراف دون اللجوء إلى القضاء، وهو نظام معروف منذ قديم الأزل، وله الكثير من المزايا التي سنذكرها لاحقًا بعد توضيح مفهومه وشروطه وأنواع القضايا التي تُنظر فيهِ، والفرق بينه وبين القضاء، إضافةً إلى الكثير من الحقائق التي تهمك كقارئ حول هذا المجال.
من سنّة الحياة أن تحدث المنازعات بين الأشخاص في العلاقات والتعاملات فيما بينهم، الأمر الذي أوجد القضاء الذي يهدف إلى الفصل في هذه المنازعات، ومنع الظلم ورد الحقوق إلى أصحابها، كما شرع التحكيم جنبًا إلى جنب مع القضاء حيث زادت الحاجة إليه مع كثرة التعاملات التجارية وتعقدها لقدرته على إنهاء النزاعات في أسرع وقت ممكن وعلى يد متخصصين لديهم الخبرة في التعامل مع النزاعات.
فالتّحكيم إذن هو اتفاق يتم بين طرفين أو أكثر لفض المنازعات التي نشأت أو ستنشأ بينهما، من خلال محكّمين يتم اختيارهم من قبل الأطراف المتنازعة للفصل في هذا النزاع دون اللجوء إلى القضاء المختص.
تزداد أهمية التحكيم يومًا بعد يوم خاصةً مع كثرة النزاعات التجارية وتعقدها، الأمر الذي أدى إلى انتشار مراكز التحكيم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي واعتراف الأنظمة القانونية بأحكامها، وإكسابها القوة التنفيذية.
مع ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطورات اقتصادية أصبحت على إثرها إحدى الوجهات الرئيسية للمستثمرين من مختلف الدول، اهتم المشرع السعودي بالتحكيم اهتمامًا كبيرًا، ووضع القوانين الضابطة له، حيث أصبح المحكم في مقام القاضي، بل قد يتجاوز قرار المحكم قرار القاضي في بعض الحالات.
وقد جاء قانون التحكيم في النظام السعودي مواكبًا لدولة احتلت مركزًا ماليًّا رائدًا في الآونة الأخيرة، تزامنًا مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وما زالت تسعى إلى تعزيز إنتاجيتها عبر ابتكار العديد من الأنظمة والأفكار المتقدمة.
تنقسم أنواع التحكيم وفض المنازعات على النحو التالي:
وعلى كل، فإن التحكيم يتنوّع وفقًا لموضوع النزاع، فإذا كان موضوع النزاع تجاريًّا فإن التحكيم يسمى تحكيمًا تجاريًّا، وإذا كان موضوع النزاع مدنيًّا، فإنه يسمى تحكيمًا مدنيًّا.
يفضل الكثيرون اعتماد نظام التحكيم في فض الكثير من النزاعات، حيث يتمتع بالمزايا التالية:
في حال وجود اتفاق بين الأطراف المتنازعة على إحالة المنازعة لـ هيئة التحكيم فيمكنها النظر في أنواع القضايا التالية:
تتكون هيئة التحكيم من محكم واحد أو أكثر على أن يكون عدد المحكمين فرديا، والمحكم هو الشخص الذي ارتضته الأطراف المتنازعة للنظر في موضوع النزاع والفصل فيه مقابل رسوم يتم دفعها إليه، ويُشترط في المحكم أن يتمتع بالحيادية والاستقلالية عن جميع أطراف النزاع، كما ينبغي أن يتمتع بالأهلية الكاملة، وأن يكون حاصلًا على درجة جامعية في تخصص القانون أو الشريعة.
يُشترط في المحكِّم أيضًا أن يكون ذا خبرة تساعد في سرعة تسوية النزاع، والتمتع بحسن السيرة والسلوك، وأن يكون وطنيًّا أو من الأجانب المسلمين، فضلًا عن أن لا يكون له أي مصلحة في النزاع.
المحكّم هو المحور الأساسي في عملية التحكيم، خاصةً وأن قرار المحكم بمثابة قرار القاضي يكون له الإلزام القانوني في كثير من الأحيان، ولكن الاختلاف بينهم يكمن في أن القاضي يتم تعيينه من قبل ولي الأمر ووفقًا لشروط معينة، بينما المحكم يتم اختياره من قبل طرفي التحكيم.
ويتم اختيار عدد المحكمين في هيئة التحكيم بناءً على مدى تعقيد القضية وصعوبتها، حيث يفضل تعيين محكم واحد في النزاعات الصغيرة توفيرًا للتكاليف، بينما يتطلب الأمر اختيار أكثر من محكم في القضايا الصعبة والأكثر تعقيدًا.
وفي حال انتهت مهمة المحكم لأي سبب كان مثل وفاته أو عزله أو تنحيه أو عجزه، فينبغي تعيين بديلًا له بنفس الإجراءات التي تم اتباعها في اختياره.
ذكر بعض الفقهاء ورجال القانون عددًا من الفروقات التي تميز بين كل من المحكم والقاضي، يمكننا إيجازها على النحو التالي:
إن نجاح عملية التحكيم يعتمد بشكل أساسي على كفاءة المحكم وخبرته بجوهر مهمته وما يترتب عليها من إجراءات ومقتضيات.
وفي حال وجود نزاع معين أو مع احتمالية وجوده مستقبلًا، فيمكن لجوء الأطراف المتنازعة إلى نظام التحكيم على النحو التالي:
إن عدم وجود اتفاق تحكيم يعني انعدام ولاية المحكم ومن ثم انعدام حكم التحكيم، واتّفاق التحكيم هو بمثابة عقد بين الطرفين يتضمن الاتفاق على تسوية المنازعات فيما بينهم عبر نظام التحكيم.
وهذا الاتفاق هو ما يوضح العلاقة بين المحكّم وطرفي النزاع، حيث يكون الإيجاب من قبل أطراف النزاع والقبول من قبل المحكّم، ويمكن أن يتم هذا الاتفاق قبل حدوث النزاع أو بعد حدوثه، وتتمثل شروط صحة هذا الاتفاق فيما يلي:
جدير بالذكر أن نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية نص على أنه "لا يجوز للجهات الحكومية الاتفاق على التحكيم إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ما لم يرد نص نظامي خاص يجيز ذلك".
تنص المادة الرابعة والعشرون من نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية بوجوب إبرام عقد مستقل مع المحكم في حال اختياره على أن يتضمن العقد أتعابه، وتودع نسخة من هذا العقد لدى الجهة التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا النظام.
وفي حال عدم الاتفاق بين الطرفين على تحديد أتعاب المحكم أو المحكمين، فينبغي للمحكمة المختصة أن تحدده بقرار غير قابل للطعن بأي شكل من الأشكال، وفي حال كان تعيين المحكمين من قبل المحكمة، فينبغي مع ذلك تحديد الأتعاب الخاصة بالمحكمين.
تنتهي إجراءات التحكيم بصدور الحكم الذي ينهي النزاع بين الطرفين أو بصدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في حال اتفق طرفا التحكيم على إنهاء التحكيم، أو ترك المدعي خصومة التحكيم -إلا إذا قررت هيئة التحكيم بناء على طلب المدعى عليه أن مصلحته في استمرار الإجراءات حتى الفصل في النزاع- أو في حال رأت هيئة التحكيم عدم جدوى استمرار الإجراءات أو استحالتها، ولا تنتهي إجراءات التحكيم إذا مات أحد طرفي التحكيم، أو فقد أهليته، إلا إذا اتفق من له صفة في النزاع مع الطرف الآخر على انتهائه.